الوطن | الإنسان النبيل | أسامة السيد الأزهرى

الوطن | الإنسان النبيل | أسامة السيد الأزهرى

العبادات مثل الشجرة: لها ثمار ولها جذور؛ فثمراتها هى منظومة الأخلاق والسلوك الاجتماعى الراقى، والإنصاف من النفس، أما جذور العبادات والفرائض فهى عميقة، هناك، فى أعماق القلب؛ إذ لا بد للقلب أولاً أن يمتلئ إيمانا ويقينا وتصديقا وإجلالا لرب العالمين وإدراكا لعظمته وهيبته وإقبالا عليه وتعلقا به، حتى تفيض القلوب بالعرفان واليقين، وتمتلئ يقينا فى الحقائق الكونية الكبرى، فتدرك عظمة رب العالمين، وخضوع الأكوان له، وأنه سبحانه المدبر القيوم الرزاق العظيم، وأنه الرحيم بعباده واللطيف بخلقه، وأن الملائكة يصعدون ويهبطون، وينزلون بتدبير شئون الخلق، وأنهم كائنات عظيمة روحانية نورانية، وأنهم يحيطون بالبشر، ويتعاقبون عليهم، ويخالطونهم، فإذا غُرِسَتْ هذه الحقائق فى القلوب، واشتد يقين القلوب فى الغيب الشريف، بعوالمه الباهرة المُحْكَمَةِ العجيبة، واستحكم تصديق الإنسان بتلك الحقائق، فإنه حينئذ ينهض للعبادات، وينشط لها، ويحبها، ويجد لأداء الصلوات والصيام والحج وغيرها أُنْساً وذوقاً، ويشعر فى أثناء أداء تلك الفرائض أنه يُقْبِل بها على قيوم السموات والأرض، وأنه يخاطب بها رب العالمين سبحانه.
وكلما ارتوت القلوب بهذا اليقين وانتعشت فيها تلك الحقائق وتحولت تلك الحقائق إلى شعور حى نابض، فإن العبادة تصدر من الإنسان بِهِمّةٍ، وتُحْدِثُ عنده أثراً.
أما إذا ما صدرت العبادات والفرائض من قلبٍ جامد، بهتَتْ فيه تلك الحقائق وخفتت وغابت وتوارت، فإن العبادات تصير جافة جامدة، لا تزيد على كونها حركات آلية تعودها الإنسان، وليس لها فى ضمير الإنسان إشعاع وتوهج وحضور.
فلا بد لنا فى كل فترة من المرور والتفاعل والتعرض لعدد من الإجراءات التى تحرك تلك الحقائق فى القلب، وتعيد له جذوة إيمانه، الذى تصدر عنه شجرة العبادات، وتصدر عنه ثمارها التى هى الأخلاق واللياقة الاجتماعية، والتعامل الرحمانى مع الناس.
ومن هنا نفهم ذلك التصرف النبوى الحكيم؛ إذ كان النبى، صلى الله عليه وسلم، كلما قام من الليل ليصلى ويتهجد، أعاد التذكير بتلك الحقائق الكبرى؛ فقد روى البخارى من حديث ابن عباس، رضى الله عنهما، قال: كان النبى -صلى الله عليه وسلم- إذا قام من الليل يتهجد قال: «اللهم لك الحمد، أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، لك مُلْكُ السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت مَلِكُ السماوات والأرض، ولك الحمد، أنت الحقّ، ووعدك الحقّ، ولقاؤُك حقّ، وقولُك حقّ، والجنةُ حقّ، والنارُ حقّ، والنبيون حقّ، ومحمد -صلى الله عليه وسلم- حق، والساعةُ حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لى ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت».
فانظر كم مرة وردت كلمة «حق» فى هذه العبارات النبوية الجليلة، حتى نتعلم كيفية تحريك الحقائق اليقينية فى القلوب؛ لأنها الجذر الذى تنبت منه شجرة العبادات والفرائض والسنن، وقد قال الشاعر:
وإذا حلّت الهدايةُ قَلْباً *** نشطتْ للعبادةِ الأعضاءُ
الوطن | الإنسان النبيل | أسامة السيد الأزهرى الوطن | الإنسان النبيل | أسامة السيد الأزهرى Reviewed by fun4liveever on July 26, 2012 Rating: 5

No comments:

Powered by Blogger.