الحلقة الثانية.. أين الله؟



- بابا متضحكش عليا.. عمال تقولى ربنا معايا وانا مش شايفه وتقولى في السما والسما فاضية مفهاش حد غير السحاب.. هو السحاب ده يعني الله؟

لم يدربني أبي منذ نعومة أظافري على الرد على مثل هذه التساؤلات وكان الكبار في السن يقولون لي لا تفكر كثيرا في وجود الله أو عدم وجود حتى لا تكفر _والعياذ بالله_ ففضلت وقتها أن أنعم بالهدوء على أن أرهق عقلي وجسدي وقواي بمعلومات لن تنفعني لكنها يمكن أن تؤدي كما ذكر الشيخ الذي كان يحفظني القرآن بالمسجد المجاور لمنزلي "يا ابني لو سألت نفسك فين ربنا هتضل نفسك وهتكون نهايتك وحشه ويوم القيامة هتكون مع الكافرين الضالين المضلين".

لماذا الجيل الجديد يتكلم كثيرا وفي أمور لن تفيد، ولماذا يحرجني هذا الطفل؟ هل يقصد وضعي في موقف سيئ أم أن سؤاله جاء بالصدفة؟.. لا ولا.. أعتقد أن أمه هي التى دفعته ليحرجني لانني أضعها في مواقف مبكية أمام أقاربها واصدقائها. تضاربت التخمينات لأذهب بعيدا عن ذلكم الطفل الذي يقف أمامي، راحت الأفكار واستقرت خلف عيني المصوبة إليه، فانطلقت الكلمات سريعة كالرصاص خائفة كاللصوص وهمس لساني قائلا:
- بص يا حبيب بابا.. الله سبحانه وتعالي قال في القرآن ويدركم ولا تدركه الأبصار.. يعني ربنا بيشوفنا لكنه خايف علينا نشوفه مش لان شكله وحشه أو حاجة .. بالعكس ربنا جميل جدا أد البحر وأكتر.. شفت البحر اد ايه ربنا جميل جدا اكتر منه بكتير اووي
واستطرد في حديثي بينما وضع طفلي يديه مشبكتين بينما اتسعت قرنيته وتسطحت ملامح وجهه دلالة على الانصات والتدبر فيما أقوله..
- ربنا لما سيدنا موسي عليه السلام اليهودي زمان اوي قالوا له فين الله اللى بتقولنا عليه.. فدعي ربنا وقاله عايز اشوفك فربنا قاله "أنا هنكشف على الجبل لو لو محصلوش حاجة هنكشف ليك انت لانك اضعف من الجبل".. لكن ربنا انكشف للجبل فتقطع أحجار صغيرة جدا ووقع سيدنا موسي من الصدمة كل ده عشان الجبل شاف جزء من نور ربنا مش شاف ربنا.. فتفتكر ايه اللى ممكن يحصلك وانت اصغر في السن من سيدنا موسي واضعف من الجبل بكتير.
شعرت لأول مرة بالانتصار فالكلمات أصبح كسرعة الصواريخ وتغلبت على لعثمة لساني وتعثر مخارج الألفاظ، إلا أن هذا الطفل الذي أحسست كإنه مُصِر علي اختباري، لأعواد معه لطفولتي ولحظات الامتحانات القاتلة التى كان احتباس البول بداخلي يشل تفكري ويدي عن استرجاع الاجابة وتدوينها. باغتني قائلا: ماما ديما بسمعها بتقول ليه يارب مش بتستجيب ليا مع انها بتصلي كل حاجة كل يوم؟
- ربنا بيحب يسمع صوت الناس المؤمنين زي ماما.. فبياخر تحقيق طلبها عشان تفضل تدعيه كتير.
- معني كده ان ربنا بيحب ماما.. وانت مش بتضايق ان في حد بيحبها وهى بتحبه؟
- واضايق من ايه ده ربنا اللى خلقني وخلقها
- مش ربنا راجل زيك زيه؟
- لا يا حبيبي ربنا مفيش حد زيه.. لا نقدر نقول عليه راجل ولا ست ولا اي حاجة
- هو معندوش اولاد العب معاهم؟
- لا ربنا ملوش حد.. هو لوحده بس
- طب بياكل ايه.. وبيلبس ايه؟
- ربنا مش بياكل ولا بيلبس.. ربنا مش بشر عشان ياكل ويلبس.. حياته غير حياتنا.. مش انت بتشوف النباتات والحيوانات بتعيش حياة غير حياتنا؟
- اه..
- ربنا برضه هو اللى خلق كل دول.. فيعيش بشكل مختلف خالص
صمت للحظات وتمتم بكلمات لم أسمعها ولم أفهمها جيداً.. كان ينطق بلغة غريبة.. تخيلته مسموح من الجان.. عدت وقلت بل يفكر.. وكان استنتاجي الأخير هو الصحيح.

قال الطفل: مش انت قلت لى عيب تشوف حد وهو مش لابس هدوم؟
فاجبته: آه.. قلت لك صح
- طب ما ربنا بيشوفنا انا وانت وماما واحنا عريان زي ما انت بتقول.. ده نسميه ايه؟
- لا .. ربنا لما بيشوفنا مش هيبصلنا بصه غلط.. هو اللى خلقتنا.. انت لما بتخبي اللعبة بتاعتك تقدر تقول عليها وحشه؟
- لا مبقولش وحشه..
- برضه ربنا كده هو اللى خلقنا فعادي لما يشوفنا عريانين بس المهم منكونش بنعمل حاجة تضايقه لأنه ممكن يعاقبنا

وقع نظري على كوب الشاي الذي أعددته زوجتي فأمسكت به لأبلع ما يرطب حلقي إلا أن كوبي قد برد، ففوجئت بالطفل يرفع لي يده بكوب ماء يقربه إلى فمي... وهو يقول:

انتظروني في الحقة القادمة

الكاتب الشاب مصطفي النجار
http://www.facebook.com/note.php?created&&suggest&note_id=319367520515
الحلقة الثانية.. أين الله؟ الحلقة الثانية.. أين الله؟ Reviewed by fun4liveever on February 07, 2010 Rating: 5

No comments:

Powered by Blogger.