الوطن | صناعة أزمة اللحوم فى مصر | أحمد منصور

الوطن | صناعة أزمة اللحوم فى مصر | أحمد منصور

المصريون من أكثر شعوب الأرض احتراما وتقديرا للحوم، فرغم أن الأمريكان هم الأكثر استهلاكا للحوم ويكاد الأمريكى يأكل بقرة متوسطة فى العام، فإن المصريين يقدّرون اللحوم بغض النظر عن الذين يتناولونها مرة أو مرتين فى العام أو الذين يتناولونها كل يوم. ولهذا فإن اللحوم فى مصر تطغى على اهتمام المصريين لا سيما فى رمضان والأعياد. الأغنياء لا تشكل اللحوم مشكلة عندهم لا سيما أن هناك فئة تأتيها اللحوم فى الطائرات الخاصة من خارج مصر كما تأتى احتياجاتها الأخرى، إلا أن الطبقة المتوسطة والفقيرة تنشغلان بشكل كبير باللحوم وكيفية الحصول عليها. وقد دفع حب المصريين الفقراء ورغبتهم فى أكل اللحوم كثيرا من التجار عديمى الضمير إلى استيراد كل أنواع الطيور والحيوانات الجارحة وتقديمها طعاما للمصريين، وقد تخطى الأمر ذلك ووصل إلى ذبح الحمير. وهناك قضية شهيرة عن تاجر اللحوم الذى كان يذبح الحمير ويبيعها بخمسة جنيهات للكيلو، وحينما قُبض عليه قال للمحقق: هل هناك عاقل يتصور أن هناك كيلو لحم بخمسة جنيهات؟ لقد كانوا يعلمون أنها لحوم حمير ومع ذلك كانوا يأكلونها. وأذكر أنه حينما وقعت مشكلة إنفلونزا الخنازير واتُّخذ قرار بذبح الخنازير فى مصر، ظهر كثير من الأسر المسلمة الفقيرة على شاشات التلفزة وقالوا إنهم يأكلون لحم الخنزير لأنه رخيص ولا يتجاوز سعره خمسة جنيهات للكيلو وهم فقراء لا يملكون ستين جنيها ثمنا لكيلو لحم العجل لذلك فإنهم يأكلون ويطعمون أولادهم لحم الخنزير.
لم يشغلنى موضوع اللحمة، ولم أفكر فيه كثيرا من قبل، وربما من الغريب أو الطريف أن أكتب فى موضوع اللحوم، حيث يرى كثير من الناس أنها بعيدة عن السياسة لكنى حينما تعمقت فى القراءة لعدة ساعات عن اللحوم والأعلاف وتريبة الأبقار والأغنام والثروات الحيوانية لعدة دول، ثم ركزت على مصر وكيفية التعامل مع موضوع الماشية والأعلاف بها وغيرها وجدتنى فى عمق السياسة، فنحن أمام ثروة هائلة، ومافيا كبيرة، وعالم آخر لسلعة تداعب خيال الفقير وأحلامه ويحرص على تناولها الغنى، كما أنها عالم ممتع لصحفى وكاتب يهوى المجازفة والمشاغبات.
القصة بدأت حينما جاءنى اتصال هاتفى جعلنى أستغرق فى ملف اللحمة عدة أيام فى محاولة لفهم ما يحدث فى هذا الأمر، فقد اتصل بى ليهنئنى برمضان صديقى سعيد عبود الجزار الذى يأتينى ويذبح لى الأضحية ويتواصل معى عدة مرات على مدار العام، وهو ليس مجرد جزار ولكنه ينتمى إلى واحدة من كبريات العائلات التى تعمل فى الجزارة منذ عشرات السنين، وكان المورد الرئيسى لمصر للطيران مع عائلته لسنوات طويلة، كما كان والده أحد موردى اللحوم الرئيسيين للجيش المصرى خلال حرب أكتوبر وما بعدها، ورغم أنه تخرج من الجامعة قبل ما يقرب من عشرين عاما فإنه كان يقول لى دائما، أنا لا أعرف عملا أقوم به غير الجزارة، قلت له: ما هى أخبار اللحوم والجزارة والجزارين هذه الأيام يا سعيد؟ قال لى: حدثتك من قبل عن موضوع أزمة اللحوم وأسعارها فى مصر، وأكدت لك أن هناك مافيا كبيرة تلعب فى هذا الأمر، وأن ارتفاع أسعار اللحوم مصطنع، ولدىَّ مشروع لتخفيض أسعار اللحوم وتوفيرها فى مصر إلى النصف خلال عام واحد غير أنى أريد آذانا صاغية من الرئيس مرسى والحكومة الجديدة، لأن هذا مشروع قومى وليس مجرد أمر عادى، فأنت تعرف قيمة اللحوم بالنسبة للمصريين، وقد قمت أنا بالفعل قبل أشهر بتنفيذ هذه التجربة وحققت فيها نجاحا باهرا، حيث كنت أقوم ببيع اللحوم البلدية بأقل من الجزارين بخمسة عشر إلى عشرين جنيها للكيلو وكنت أحقق أرباحا مرضية معتمدا على الكميات الكبيرة، قلت له: هل لديك دراسة مكتوبة عما تقول؟ قال: أعدها لك وآتيك بها. وفعلاً جاءنى سعيد وجلس معى وشرح لى قصة اللحوم ومافيا اللحوم فى مصر من أولها إلى آخرها، وأوجز لى المشكلة فى مصر فى عدة نقاط أقدمها للقارئ ببساطة فى مقال الغد.
الوطن | صناعة أزمة اللحوم فى مصر | أحمد منصور الوطن | صناعة أزمة اللحوم فى مصر | أحمد منصور Reviewed by fun4liveever on July 31, 2012 Rating: 5

No comments:

Powered by Blogger.