عمّال المنازل: آن الأوان ليكون عملهم حقيقيّاً


حكمت نظرة تقليديّة واقع العمال المنزليّين حول العالم: ليسوا حقيقيّين، وبالتالي لا يحصلون على حقوقهم! لكن يبدو أنّ هذا الوضع متجه صوب التغيير، بحسب منظّمة العمل الدوليّة، بعد طول انتظار واستغلال


حقيقة أولى: يبلغ عدد العمال المنزليّين عالمياً 100 مليون عامل، بالتقديرات المحافظة، ويمثّلون الفئة الأكبر كونياً من العمال غير المحميّين بأنظمة العمل المناسبة، ولا يتمتّعون بالحقوق الأساسيّة كحريّة العمل النقابي.
حقيقة ثانية: رغم أهميّة الحقيقة الأولى، لم يتوصّل العالم حتّى الآن إلى إقرار آليّة قانونيّة لضمان حقوق هؤلاء العمال، ولم يبدأ البحث جدياً في هذا الموضوع إلّا منذ عام 2008، بمبادرة من منظّمة العمل الدولية ومنظّمات حقوقيّة أخرى.
حقيقة ثالثة: تفيد الحقيقتان المذكورتان بأنّه رغم توسّع أهميّة مجال العمل هذا، يبقى حتّى الآن غير حقيقي!
فعندما بدأت منظّمة العمل الدوليّة الشغل على صياغة اتفاقيّة تنظّم هذا القطاع، «إحدى المشاكل الأساسيّة كانت النظرة التقليديّة التي لا تقوّم العمل المنزلي على أنّه عمل حقيقي»، يقول الخبير القانوني في المنظّمة، مارتن أويلز ويوضح أنه «في عديد من الحالات، يقدّم هؤلاء العمال عملاً كان يضطلع به بالمعنى التقليدي أفراد من العائلة: رعاية الأطفال والمسنّين مثلاً... كذلك هناك اعتقاد شائع بأنّ المنزل (كنف العائلة) ليس مكان عمل!».
لهذين السببين تحديداً تستثني «الأنظمة» هؤلاء العمال من قوائم التسجيل الرسميّة، وبالتالي يُحرمون حقوقهم المختلفة.
يتحدّث الخبير القانوني الحقوقي وفي باله قفزة نوعيّة يُتوقّع أن يحقّقها المعنيّون حول العالم في شأن هذه القضيّة. فهي ستُطرح بكامل تفاصيلها في الاجتماع السنوي للمنظّمة في الصيف المقبل. وهي تمثّل محوراً لمجموعة من ورش العمل التي تُنظّم عالمياً لرفع توصيات في هذا الخصوص.
وفي هذا الإطار، نُظّمت في لبنان خلال اليومين الماضيين ورشة عمل إقليميّة، تجمع المعنيّين من الدول العربيّة تحديداً، خرجت بمجموعة من التوصيات «الجميلة بانتظار التطبيق!» ترفعها إلى الاجتماع المرتقب في حزيران 2011.
واستضافة لبنان لهذه الورشة دلالات مهمّة. فالوضع فيه، يوضح مارتن أويلز، «مثير للاهتمام»؛ لأنّ لدينا عدداً كبيراً من العمال المنزليّين، وفي الوقت نفسه ليست الأمور سوية. «وهناك عمليّة على الصعيد الوطني لمعالجة هذه المسألة، وفي الوقت نفسه، هناك مسار على المستوى الدولي يقوّي الجهود الوطنيّة. وما تأمله منظّمة العمل الدولية هو أن يوفّر المسار الدولي دعماً ويمثّل حافزاً لبلدان مثل لبنان».
والجهة المسؤولة عن هذه المسألة في لبنان هي وزارة العمل، لكنها ليست الوحيدة المعنيّة بهذا الموضوع المتشابك.
وهنا المسألة حيويّة جداً، فوفقاً لما علمته «الأخبار»، هناك تفاوت كبير بين الأرقام التي تحصل عليها المنظّمات الحقوقية، إضافة إلى منظّمة العمل الدوليّة نفسها، وفقاً لمصادرها. فهناك رقم معيّن من وزارة العمل، وهناك أرقام وزارة الداخليّة والأمن العام، وهناك أرقام السفارات.
لكن في الأساس، يجب أن تكون الوزارة مسؤولة عن هذا الموضوع؛ فهي توقّع كلّ يوم مئات الطلبات، وتعلم حجم هذه القضية وأهميتها. وهذا الأمر يشمل أيضاً تنظيم عمل نحو 500 وكالة تشغيل لعمّال منزليّين في لبنان، نصفها فقط عضو في النقابات!
وإحدى المشاكل الكبيرة التي نواجهها في لبنان هي عدم دفع رواتب العمال والاستغلال، «وهذا شيء مستغرب» بحسب أحد المعنيّين بهذا الموضوع؛ «لأنّ اللبنانيّين هم شعب مهاجر ويعلم كيف تسير الأمور في الغربة... لكن ربما المسألة (عدم التعاطي الصحيح مع العمال المنزليين في لبنان) خاصة بالانكشاف، أي كشف وضع العمال لمعالجته».
ويشدّد مارتن أويلز على أنّ ما تعيه بلدان كثيرة الآن هو أنّ العمل المنزلي عمل حقيقي، وأن هذا ليس فقط مسألة خاصة تتولى العائلة إدارتها، بل مسؤوليّة مجتمعيّة. ففي أوروبا مثلاً، يُقوّم العمل المنزلي على أنّه حلّ لقضيّة رعاية المسنّين والأطفال. وتعمد الجهات الحكوميّة إلى رعاية هذا المجال استجابة لقضيّة اجتماعيّة تحتاج إلى المعالجة، وذلك من خلال خلق إطار مقنّن.
وعن مدى ارتباط العمالة المنزلية بموضوع الهجرة ومدى علاقة هذا الأمر بفجوة الفقر العالميّة، يوضح مارتن أويلز أنّ «في لبنان مثلاً، العمال المنزليّين بمعظمهم هم مهاجرون، لكن في بلدان أخرى مثل الصين يأتي العمال من المناطق ريفيّة إلى المدن لأداء هذا العمل». ويشير إلى أنّه عموماً «باعتبار أنّ هذا النوع من العمل غير مقنّن، والمداخيل فيه قليلة تُعدّ فجوة الفقر عاملاً مهمّاً في سوق عمل معولمة». وفي الحقيقة، هناك حوافز من الجانبين. فمن جهة العرض، تهاجر النساء العاملات من المجتمعات الفقيرة للعمل في منازل العالم المتقدّم، بالحدّ الأدنى مقارنة بمجتمعات المنشأ، وفي بلدان المقصد هناك طلب ملحوظ يدفع صوب توسّع القطاع على نحو كبير.
أمّا في ما يتعلّق بقاعدة البيانات العالميّة الخاصّة بهذا المجال، فيقول الخبير القانوني إنّ الأرقام قليلة جداً «وقاعدة بيانات مكوّنة تحديداً من أميركا اللاتينيّة، وهي خاصة فقط بالجانب الرسمي، حيث إن المعظم ربما هو حالات مكتومة».
وفي ختام ورشة العمل الإقليميّة المذكورة، توصّل المشاركون إلى مجموعة من الخلاصات الضروريّة لتقنين أوضاع العمال المنزليّين وتطبيعها. وتعهّدوا «بإيصال آرائهم إلى منظمة العمل الدولية كجزء من العملية المؤدية إلى المناقشة الثانية في حزيران 2011». وأهمّ التوصيات التي أقرّوها كانت أنّ «العمل المنزلي هو عمل حقيقي»، والتشديد على «حق العمال المنزليّين في تنظيم أنفسهم في نقابات»، إضافة إلى «القضاء على جميع أشكال التمييز ضدهم» والسعي لكي يتمتّعوا «بشروط استخدام عادلة، وظروف عمل ومعيشة لائقة وبمستويات أجور لائقة» وحمايتهم من «الممارسات التعسفية» ومن «جميع أشكال الاعتداء والتحرش».
جميع العمال المنزليّين يأملون أن يحمل حزيران المقبل بشرى سارّة لهم ولعائلاتهم التي هاجروا منها للاهتمام بعائلات أخرى بهدف الحصول على أدنى مقوّمات العيش الكريم. وفي العالم العربي ولبنان تحديداً، للقضية أبعاد حقوقيّة على أكثر من صعيد، فالنساء يمثّلن ثلث العاملين الأجانب في المجتمعات العربيّة، الذين يبلغ عددهم 22 مليون نسمة، ومعظمهنّ عاملات منزليّات.



نقلا عن جريدة الأخبار اللبنانية


عمّال المنازل: آن الأوان ليكون عملهم حقيقيّاً عمّال المنازل: آن الأوان ليكون عملهم حقيقيّاً Reviewed by fun4liveever on November 12, 2010 Rating: 5

No comments:

Powered by Blogger.